والبعض الآخر سيثير في نفوسنا الخوف أو الاشمئزاز، في الهند مثلاً ثمة تقليد يقضي بقذف أطفالٍ لم تتعدّ أعمارهم العامين من الشرفات ، فيقع الطفل رأسياً على ملاءة سرير يمسك بها 14 أو 15 رجلاً اعتقاداً منهم بأن سقوط الأطفال بهذه الطريقة يجلب لهم الحظ و يضمن لهم حياة صحية سليمة و يكفل الرفاهية و الإزدهار لجميع أفراد الأسرة!
كيف تصمد التقاليد عبر الزمن
تستطيع التقاليد بطريقة ما أن تقاوم الزمن ، وتنتقل من جيل إلى آخر مسيطرة على نواح عدة من حياة الأفراد : الزواج ، الطلاق ، الأفراح والأحزان وغيرها، وصمودها يعود لأسباب عدة :- في بعض المجتمعات ينبع التقيد بالعادات والتقاليد من العلاقة الوثيقة بين الجيل الحالي والأجيال التي سبقته، حيث يأتي تعبيراً عن احترام عميق للأجداد الذين تبنوها كأسلوب حياة .
- أو قد يكون الدافع هوالانتماء القوي للمجتمع ، وبالتالي الإصرارعلى التقيد بتفاصيل أسلوب الحياة الذي يميزه عن باقي المجتمعات .
- و البعض يشعرون بالراحة والأمان لمجرد اتباعهم عادات أجدادهم ، وهي حالة نفسية محضة.
كما يمكننا عزو ذلك للأسباب السابقة بمجملها.
لكن أياً كان السبب فإن ضغط المجتمع يبقى الحافز الأكبر في شعور الأفراد بالتزامهم بالتقاليد ، ضغط المجتمع مقترناً برد فعل سلبي مستكين من الأفراد، يعود لاستسلامهم لإرادة الكل، أوخوفهم من رفض البقية لهم إن هم تجرؤوا على مخالفتها …
إذا .. أين نقف نحن من العادات والتقاليد؟؟
بداية لابد من القول بأن العادات والتقاليد هي نمط حياة ، وقواعد فرضتها الظروف والأوضاع التي حكمت مجتمعاً ما في فترة زمنية محددة ، الأمر الذي قد يجعلها غير مناسبة لكل زمان ومكان، وكونها إرثٌ وصل إلينا من أجيال سابقة لا يعني بالضرورة أنها الحكمة بحد ذاتها ، فمن وضعها هم بشر لهم دوافعهم التي تحتمل الخطأ أوالصواب.
ليس كلامي هذا دعوة للتمرد على كل ما يندرج تحت مسمى (عادات وتقاليد) بل هي دعوة لأن يكون اتباعنا لها انتقائياً وفق منهج منطقي، وليس عبارة عن تقليد أعمى بلا فهم .
لا بدّ أن نميز بين عاداتٍ تجمعنا وترسّخ الأواصر بيننا، أو تشكل سياجاً يحمي المجتمع ويصون قيمه، وبين أخرى تقيّد حريتنا، أو تفرقنا لأنها تميز بين الأفراد وفق دين، عرق ، طائفة أو لون .
يشرح أمين معلوف هذه الفكرة في كتابه (الهويات القاتلة ) فيقول :
(لا تستحق التقاليد الاحترام إلا من حيث أنها جديرة بالاحترام، أي أنها تحترم الحقوق الأساسية للرجال والنساء. فاحترام “التقاليد” أو القوانين التمييزية يعني احتقار ضحاياها… ولقد أفرزت كل الشعوب والمعتقدات، في فترات معينة من تاريخها، سلوكيات أثبتت مع تطور الذهنيات عن عدم توافقها مع الكرامة الإنسانية، ولن يصار إلى إلغائها بشطبة قلم في أي مكان، لكن ذلك لا يحول دون التنديد بها والعمل على إلغائها.) .
إن تأملنا عن كثب سنجد أن العادات والتقاليد هي أشبه ما يكون بسلسلة تنتقل حلقاتها وتزداد من جيل لآخر لتربط بينها، وبالتالي يكفي أن يقف جيل واحد في وجهها ليكسر هذه الحلقة ويلغيها، فمثلاً لولا شجاعة البعض في التصدي للتأثير السلبي لبعض العادات لكان التحصيل العلمي اليوم ما زال يقتصر على الذكور وتُحرم منه الإناث، وهذا ما يعيدنا إلى المنهج الانتقائي الذي ذكرته مسبقاً، والنظر بموضوعية ومنطقية، ولا بد من القول بأن معرفة الظروف التي ساهمت بنشوء تقليد ما وفهمها ، يكون له أحياناً دور هام في تحديد إن كان تقليداً يجب الاستمرار به أم لا.
في النهاية ، سأختم بمثالٍ طريف قد يوضح بالضبط كيف يتوارث البشر سلوكيات ويعظّمونها دون معرفة أصلها فتستحيل مع الوقت إلى تقاليد تلزم الأجيال اللاحقة .
يحكى أنّ امرأة زارت صديقة لها تجيد الطبخ لتتعلم منها سر طهي السمك ، وأثناء ذلك لاحظت أنها تقطع رأس السمكة وذيلها قبل قليها بالزيت، فسألتها عن السر ، فأجابتها بأنها لا تعلم، وأنها تعلمت ذلك من والدتها، فقامت واتصلت بوالدتها لتسألها عن السر، لكن إجابة الأم كانت بأنها لا تعلم وأنها تعلمت ذلك من أمها ( الجدة ).. وأخيراً وبعد الاتصال بالجدة عُرِف السر “الخطير” ، قالت الجدة وبكل بساطة : لأن مقلاتي كانت صغيرة والسمكة كبيرة عليها !! .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق